لقد أثبتث تجارب الدول أن المقاربة
التنموية المبنية على مركزة القرار والتسيير، وانفراد الدولة بتوجيه المسلسل
التنموي لمجالها الترابي دون إشراك للسكان ولمكونات المجتمع المدني، لا يمكنها
بلورة المشاريع التنموية على النحو الذي يضمن التوافق والتلاؤم مع خصوصيات كل
منطقة وتطلعات سكانها. ومرد ذلك إلى التعقد والتعدد الذي أصبحت تعرفه المهام
المنوطة بالدولة، من جهة، وعدم درايتها بمختلف العناصر المحركة للمسلسل التنموي
لكل وحدة ترابية محلية من جهة ثانية. ذلك أن التباين على مستوى المميزات الطبيعية
والبشرية من منطقة لأخرى يستلزم العمل على إشراك الساكنة المحلية في بلورة المشاريع
التنموية وفق ما تراه ملائما لحاجيات ولخصوصيات مجالها.
وبالنسبة
لبلدنا المغرب فنجد أن الدولة قد تبنت منذ حصول البلاد على استقلالها مقاربة تقوم
على تخويلها دور "الدولة الراعية" .(Etat
providence)، أي الدولة المتحكمة في كل المجالات و
المتدخلة في كل القطاعات و الموجهة لكل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وغيرها. وقد نتج عن هذه المقاربة تكريس الإختلالات والتمايزات بين المناطق
والجهات. ولعل صدور الميثاق الجماعي لسنة 1976، والذي خول الجماعات المحلية
صلاحيات على قدر من الأهمية، يشكل مؤشرا على اعتراف الدولة بعجزها عن مسايرة
متطلبات تحقيق تنمية مندمجة ومتوازنة على صعيد مختلف الوحدات الترابية ، وبالتالي
بدأ التفكير في خلق نظام لا مركزي يخول لكل جماعة محلية إمكانية تدبير شؤونها
بنفسها، وذلك تحت إشراف مجلس منتخب من طرف الساكنة المحلية ويخضع للوصاية الإدارية
من قبل السلطات المركزية. وقد تم تأكيد هذا الطرح بإصدار میثاق جماعي جديد في 3
أكتوبر 2002، حاولت السلطات المركزية من خلاله تجاوز بعض النقائص التي سجلت على
ميثاق 1976. كما أن التعديل الذي لحق هذا الميثاق في الفترة الأخيرة (2009 )، قد
نص على اختصاصات تروم الدفع بالجماعات المحلية قدما في مجال تخطيط وتدبير المشروع
التنموي في بعده المحلي. وتعتبر نقطة إلزامية وضع المخططات التنموية الجماعية من
المحاور الأساسية التي جاء بها هذا التعديل القانوني، وهي نقطة ستشكل منطلقا للبحث
في سبل خلق جماعات محلية قادرة على رفع التحديات التي تواجه المسلسل التنموي في
بعده الترابي المحلي، والتي ما فتئ حجمها يتزايد.
وإلى
جانب هذه الإصلاحات التي همت الإطار الإداري اللامركزي، نجد أن الدولة المغربية قد
بدأت في نهج سياسة تروم الدفع بالمجتمع المدني وخاصة جمعيات التنمية المحلية إلى
تحمل جزء من المسؤولية المتصلة بالمساهمة في قيادة أوراش التنمية على الصعيد
المحلي.
من
هذا المنطلق جاء اختيارنا لموضوع التنمية المحلية، وفي شقها المتعلق بإشكالية
العلاقة القائمة بين مختلف الفاعلين المتدخلين على المستوى المحلي – سواء كانوا
محليين أو وطنيين أو فاعلين آخرين من خارج الوطن - والساكنة المحلية المعنية
بمختلف المبادرات التي يقودها هؤلاء الفاعلين وتتجسد جدية هذا العمل في كونه ينبني
على مقاربة شمولية تروم:
- بلورة تشخيص للمنطقة المدروسة يحدد مؤهلات و معيقات التنمية بالمنطقة. ويجسد انتظارات الساكنة وفق أولويات معينة
- إبراز دور وأساليب تدخل وعمل مختلف الفاعلين في الميدان التنموي بالمنطقة، وتحديد مكامن الخلل في هذه التدخلات .
- إبراز المحاور الأساسية لبرنامج عمل سيكون بمثابة "خارطة طريق" للفاعلين من أجل النهوض بالمستقبل التنموي للمنطقة المدروسة.
بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة, حول موضوع "التنمبة المحلية بين إنتظارات السكان وتدخلات الفاعلين -مركز تحناوت-", من إعداد الطالب البحث "عبد العزيز العربي", وتحت إشراف الأستاذ "عبد العزيز يحيوي", وفي لجنة المناقشة:
- الأستاذ "مولاي الحسن البوبكراوي" : رئيس
- الأستاذ " عبد العزيز يخيوي": مشرف ومقرر
- الأستاذ "عبد الرحيم بنعلي": عضو
التحميل