أطروحة 02: إشكالية إستدامة الماء بمنطقة زعير-بين قلة الموارد وتزايد الطلب-
الرجوع للموضوع

Tuesday, September 18, 2018

أطروحة 02: إشكالية إستدامة الماء بمنطقة زعير-بين قلة الموارد وتزايد الطلب-

      قال الله تعالى في كتابه العزيز : (وجعلنا من الماء كل شيء حي) سورة الأنبياء، آية 30. يخبرنا الله تعالى في هذه الآية بأن الماء عنصر حيوي يدخل في تكوين جميع الكائنات الحية بدون استثناء، وليس هو السبب في الحياة هذا الكون فحسب، بل إنه الحياة بعينها.
      ويعتبر الماء المادة الأكثر انتشارا فوق سطح كوكب الأرض بنسبة تبلغ 70.8%، إلا أن الكميات الهائلة منه غير قابلة للاستهلاك أو التعبئة بأكملها، في 97% مشبعة بالأملاح وغير قابلة للاستهلاك المباشر، وغير صالحة للري، ودون أي نفع في غالبية الاستعمالات البشرية المباشرة.
       فالمياه العذبة والصالحة للاستهلاك لا تمثل سوى 3% من مجموع المياه على سطح الكرة الأرضية. إلا أنها غير يسيرة الاستغلال، إذ أن 2% منها مخزون في الكتل الجليدية والمجمعات الجوفية العميقة والصعبة الوصول، و1% فقط تشكل مياه الأنهار والبحيرات والفرشاة الباطنية، وهي المياه المتاحة للاستهلاك الإنسان المباشر.
        تبدو هذه الكميات المائية كافية للاستهلاك البشري، إلا أن عدم انتظامها الزمني، وعدم تكافؤ توزيعها المحالي... لا يساعد على ذلك. ففي الوقت الذي تعاني فيه العديد من الجهات من وفرة تؤدي إلى كوارث طبيعية مدمرة، تعاني مجالات أخرى نقصا حادا من هذه المادة الحيوية كالنطاقات الجافة وشبه الجافة والصحاري.
إشكالية إستدامة الماء بمنطقة زعير-بين قلة الموارد وتزايد الطلب-
        تشكل المياه دائما عنصر جذب للسكان، وتفرض عليهم اختيار نوع أنشطتهم ونمط عيشهم، وتوجه نظامهم الاجتماعي؛ فأعرق الحضارات البشرية نشأت ونمت حول الأنهار الكبرى خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمناطق الجافة. وقد ساعد على ذلك القدرة العالية للماء في هيكلة المجال وتشكيل المجتمع. وأصبح الماء يعد إحدى الأدوات الفعالة في عمليات إعداد المجال و التنمية الرامية إلى استقرار وتوازن المجتمع، كما أن للماء قدرة عالية في هيكلة المحال انطلاقا من المنشآت الكبرى والمتوسطة التي تتطلبها تعبئته.
        تعمل التدخلات البشرية المرتبطة بالماء - كيفما كان حجمها ومهما كان تأثيرها على المجال والمجتمع - تحت ضغط النمو الديمغرافي، وما يفرضه من توسع للقاعدة الاقتصادية والحاجيات اليومية الأساسية. وفي ظل النمو السكان العالمي المتسارع، ستزداد الرغبة حدة في السيطرة على الموارد المائية، والتنافس حول مصادرها، مما لا يستبعد وقوع كوارث محلية وجهوية بل وعالمية، ومواجهات من شأنها أن تغدي الأزمات السياسية الدولية القائمة.
         لهذا ومنذ مؤتمر ريو دي جينيرو سنة 1992 بدأ التركيز على أهمية الماء في العلاقات الدولية. وتشير الدراسات والأبحاث المتخصصة إلى أن مصادر الماء ستعرف تراجعا مهما في المستقبل، وستعاني الدول السائرة في طريق النمو - بالدرجة الأولى من هذا التراجع، لهذا يحاول البرنامج العالمي لتقييم الموارد المائية المحدث سنة 2000 إيجاد حلول دائمة لمعضلة المياه.
إشكالية إستدامة الماء بمنطقة زعير-بين قلة الموارد وتزايد الطلب-
        إضافة إلى التوزيع غير المتكافئ بين أرجاء المعمور، تعاني البشرية خاصة منذ النصف الأخير من القرن الماضي، من مشكل تلوث المياه جراء تغير خصائصها الطبيعية الفيزيائية والكيميائية نتيجة الاستعمالات العشوائية وغير المعقلنة، مما ساهم في تراجع حجم و جودة المياه الصالحة للاستهلاك.
         يعاني المغرب كغيره من دول العالم من مشکل عدم تكافؤ توزيع المياه، حيث تتراوح فيه معدلات التساقطات السنوية بين أزيد من 1000 ملم بالمناطق الشمالية والشمالية الغربية والمرتفعات الجبلية، وأقل من 50 ملم بالمناطق الصحراوية القاحلة.
         وتقدر المياه المتجددة والقابلة للاستعمال بحوالي 29 مليار متر مكعب، تتجدد بفعل الدورة المائية العادية، التي يقدر حجمها ب150 مليار متر مكعب. ورغم أهمية هذه الدورة فإن 20 مليار متر مكعب فقط هي القابلة للتعبئة في ظل الظروف التقنية الحالية. يتركز أزيد من ثلثي هذه الموارد بالشمال والشمال الغربي وكذا القمم الجبلية، وهو ما يشكل أقل من ربع المساحة الإجمالية للمغرب.          تتقاسم هذه الكميات من المياه المحدودة العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوسع بشكل جد سریع، مقابل استقرار الموارد المائية في بعض الأحيان وتراجعها في العديد منها. ليبقى منطق التعاون والشراكة هو الحل المناسب من أجل التدبير والاستغلال العقلاني.


Disqus
Blogger
حدد نظام التعليق الذى تريده ... وأترك تعليقك

No comments

يمكنك مشاركة الموضوع على الواتساب من هاتفك المحمول فقط

اكتب كلمة البحث واضغط إنتري